حصري – الرقة تذبح بصمت
كتبت احلام مستغانمي “الاسود يليق بك”، لكّنها لم ترَ حال مدينة الرقة الآن, ولو رأته لعلمت أن السواد يعني الموت بطرق مختلفة، فشريعة الموت في الرقة مختلفة نوعاً ما.
ليس شرطاً عند الموت، أن يتوقف قلبك أو تسيل دماؤك أو حتى يُفصل رأسك، وهو الأمر الذي أصبح اعتيادياً، فالموت هنا بنكهة داعش، اللون الأسود في مدينة الرقة هو انعكاس لسواد داخلي يعشش في نفوس عناصر التنظيم، الجدران والشعر والرداء جميعها سوداء، وإذا أراد أي لون آخر أن يحضر في الساحة، فعليه أن يكون خادماً للسواد ولا يحمل مدلولاته الحقيقية.
اللون الأسود الذي كان سيد الألوان، بات اليوم يعرف في مدينة الرقة بسيد الإجرام، واللون الأحمر ليس لون الحب بل هو لون ذلك الشيء الذي يسيل على الأرض بعد كل عملية اعدام، حتى الأبيض لم يعد يدل على النقاء، بل صار اليوم وسيلة تستعملها الفتاة لإخبار عناصر داعش في رغبتها بالزواج، ربما الحاجة المادية دفعتها لذلك أو الطمع بسلطة التنظيم أو حتى غايات أخرى، إلا أنه أصبح أحد دلائل الاستعداد للانخراط في العبودية.
“على كل فتاة ترغب بالزواج من عناصر التنظيم، أن ترتدي حجاباً ملوناً وتضع قطعة بيضاء على وجهها تحت النقاب”، هذه الجملة التي ترددها كتيبة الخنساء على مسامع الفتيات في كل مناسبة ومكان، فالحجاب الملون والقطعة البيضاء هي وسيلة الخلاص من حياة الفقر والحاجة، هي أحد أبواب المستقبل للفتيات، فالتي تتزوج عنصراً للتنظيم، سيمنحها المال ويحمي وعائلتها وأمور كثيرة أخرى تتفاخر بها نساء كتيبة الخنساء.
الزواج في الرقة يتم بأسلوبين، الأول عن طريق أشخاص مدنيين مناصرين للتنظيم يخبرون الأمراء والقادة عن الفتيات الجميلات العازبات، فيذهب الأمير ويطلبها ويحدد المهر والتفاصيل مع تهديدات مبطنة لأهلها في حال الرفض، أو عن طريق الحجاب الملون والقطعة البيضاء، الذي يظهر في الصورة التي استطاع مراسل الرقة تذبح بصمت التقاطها بصعوبة بالغة، وهذا النوع من الزيجات يتم عن طريق كتيبة الخنساء، فتتبعها إلى منزلها وتلقي النظر عليها، فإن كانت الفتاة ذات جمال يتم إخبار الأمراء عنها، أمّا إذا لم تكن، فيتم تزويجها للعناصر العاديين الذي يطلبون من التنظيم تزويجهم.
يقول مراسل الرقة تذبح بصمت، “علمت أن الفتاة تعرض نفسها للزواج على عناصر داعش، فقررت تصويرها إوإثبات هذا الأمر للعالم كله، كانت ترتدي حجاباً وردي اللون وتسير برفقة امرأتين، سرعان ما بدأت عناصر الخنساء تحوم حولها، ونظرات عناصر التنظيم والأهالي لا تفارقهن، لم تقفن لشراء أي شيء، الأمر واضح فهن يعرضن الفتاة للزواج، دفعني فضول لتتبع الفتاة إلى مسكنها فهي الطريقة الوحيدة للتعرف عليها، ربما أستطيع الحصول على إجابة عن سبب عرضها للزواج، نساء كتيبة الخنساء لم تفارقهن طول الدرب، ودخلن إلى المنزل خلفهن مباشرة، وهنا بدأت جولتي البحثية للتعرف على العائلة أكثر، فوجدتُ أن الفتاة تبلغ من العمر 17 عاماً، توفي والدها منذ سنة تقريباً بغارة لطيران النظام، وأورث لعائلته ديوناً، ويعيش في المنزل الأم والأخت الكبرى رفقة ثلاثة أطفال دون سن الرابعة عشرة، إضافة إلى الفتاة ذات 17 عاماً.
يسعة التنظيم، إلى تنشيط حوادث الزواج في المدينة، بشتى الوسائل، فهي وسيلة لكسب الشباب، وتوطين عناصره، على الرغم من أن هذه الزيجات لا تدوم أكثر من ثلاثة أشهر لينتقل العنصر إلى فتاة أخرى، ويخلق مآسي جديدة.