خاص – الرقة تذبح بصمت
يعمل تنظيم داعش منذ فترة طويلة على تقليد بعض الأساليب والتكتيكات الأمنية التي يتبعها نظام الأسد، ولم يكتف التنظيم بهذا الحد حيث بات يلجأ إلى إنشاء بعض الهياكل والمؤسسات التي يعتمد عليها النظام السوري. ويبدو أن هذا الأمر ليس مستغرباً في ضوء المعلومات التي تم تداولها في فترة سابقة عن انضمام عدة شخصيات وضباط بارزين من أعضاء حزب البعث الذي حكم كلاً من العراق وسورية لأكثر من أربعة عقود من الزمن.
والجديد اليوم هو قيام التنظيم بإنشاء مكتب الدعاية والإشاعات الذي يعتبر نسخة مقتبسة من نظيره الذي يحمل ذات الاسم أيضاً ويعمل تحت إشراف جهاز الأمن القومي التابع للنظام،
ويشرف المكتب المذكور على بث الإشاعات بين صفوف المدنيين لجس النبض تجاه موضوع ما ينوي النظام القيام به، مثل رفع الأسعار أو غيره من الأمور التي تنعكس آثارها بصورة مباشرة على المواطنين.
كما يعمل المكتب على تلميع صورة النظام عن طريق بث الإشاعات والأكاذيب حول قوة النظام وجيشه وامتلاكه لأسلحة تخيف دول الجوار، وكذلك تحسين صورة رأس النظام ونشر القصص والأخبار التي تتحدث عن تواضعه ومدى قربه من الشارع مثل زيارة المطاعم والأسواق وبعض الأسر في مناطق متفرقة من سورية.
وفي ذات السياق فقد أنشأ التنظيم مكتباً جديداً للقيام بنفس المهام التي يقوم بها سلفه المذكور آنفاً، حيث يعمل على تلميع صورة التنظيم ونشر الإشاعات والإصدارات الإعلامية التي تشيد بإنجازات التنظيم العسكرية والمدنية وتتحدث عن مناخ العدل والأمان الذي ينعم فيه “الرعية” في ظل حكمه الرشيد، وآخر الإشاعات التي بات التنظيم يروج لها بقوة في الآونة الأخيرة تتحدث عن استعداده للسيطرة على مدينتين سوريتين جديدتين، وأنه أتم تحضيراته وبات يملك القوة العسكرية الكافية لتحقيق ذلك.
وتشير بعض التسريبات التي يطلقها مكتب الدعاية والإشاعات إلى نية التنظيم في السيطرة على كل من مدينتي دير الزور والحسكة، في حين يتم تداول معلومات أخرى عن استعداد التنظيم للتوجه صوب مدينتي حلب وحماه، ويبدو أن هذه الإشاعات الجديدة المتداولة في الرقة قد جاءت في أعقاب الانتصارات المتلاحقة التي أحرزها “جيش الفتح” في كل من إدلب وريفها وسهل الغاب بريف حماه، وتهدف إلى صرف أنظار العامة عنها كونها تحرج التنظيم وتظهره بموقف المتفرج أو المتخاذل أمام نظام الأسد، كما ترمي من جهة أخرى إلى التغطية على الأكاذيب التي بثها التنظيم في فترة سابقة ومن على منابر المساجد عن البشائر العظيمة بأن إدلب سوف تصبح قريباً تحت سيطرته، والتي أتضح أنها لم تكن سوى أكذوبة لرفع معنويات مقاتليه وأنصاره على حد سواء.
والآن يحاول التنظيم مجدداً بث مثل هذه الإشاعات من أجل رفع المعنويات بعد انسحابه السريع والمفاجئ من شمال الرقة، وللتغطية على المعلومات التي تتحدث عن التحضيرات والاستعدادات لفتح معركة مدينة الرقة تمهيداً لطرد التنظيم وإخراجه منها.
ولدى سؤال مراسل “الرقة تذبح بصمت” لأحد السكان في الرقة ويدعى “خالد”، أجاب بلغة ساخرة ومتهكمة: “يريدون أن يحرروا مدينتين ؟! ، الأكاذيب حول قوة داعش لم تعد تنطلي على أحد، وما فعلته بهم الفصائل الكردية وكتائب الجيش الحر في الشمال خير دليل على ذلك.
لقد أصبح عناصر التنظيم أضحوكة وخاصة عندما نشاهد المهاجرين منهم وهم يهربون أثناء القصف الذي تقوم به طائرات التحالف.”
وأردف قائلاً: “هم يريدون أن يقنعوا السكان بأنهم أقوياء وباقون في الرقة، ولكن الجميع باتوا يعلمون أن هزيمتهم باتت مسألة وقت وأنهم سيرحلون مثل ما رحل غيرهم من المدينة، وتصرفاتهم وقراراتهم المتضاربة تثبت هذا الشيء يوماً بعد يوم.”
واللافت في الأمر أن الإشاعة المتعلقة بالتحرك العسكري المرتقب قد ترافقت هذه المرة مع تسريبات يقوم التنظيم بنشرها داخل مدينة الرقة، ومفادها أن التنظيم سيقوم قريباً بفرض التجنيد الإجباري على جميع الشبان في المدينة وريفها، وأن الجهاد سيصبح واجباً على الجميع من أجل المشاركة في معارك الدفاع عن عاصمة الخلافة التي نصب التنظيم نفسه راعياً لها، ونيل شرف المشاركة في الانتصارات التي سيحققها عقب إنجلاء هذه المعارك.
وفي هذه الأثناء يعيش المدنيون داخل الرقة حالة من التخبط والقلق تجاه هذه التسريبات، فهم يتخوفون بشكل جدي من إمكانية تحول هذه الإشاعة إلى أمر واقع، في حين يرى البعض أن هذا الموضوع لن يعدو كونه فكرة مطروحة ومتداولة لاستطلاع رأي العامة بصورة غير مباشرة حوله، ويجادل أنصار هذا الرأي وهم كثر في وسائل التواصل الاجتماعي بأن التنظيم لا يقبل المتطوعين الجدد إلا بموجب تزكية من قبل أحد عناصره، وأن الانضمام له أمر صعب ومعقد.
ولكن أهالي الرقة يدركون أن التنظيم لن يتمسك طويلاً بهذا الأسلوب في ضم المقاتلين الجدد وخاصة لدى احتدام المعارك واقتراب الخطر من أعتى معاقله، ويذكرون جيداً ما قام به التنظيم إبان اشتداد المعارك في عين العرب (كوباني) حيث كان يرسل المتطوعين الجدد من الشبان إلى جبهات القتال بعد فترة وجيزة قد تقل عن أربع وعشرين ساعة، وفي بعض الحالات كان الشاب يعاد إلى أهله قتيلاً في غضون أقل من أربعة أيام من تاريخ إلحاقه بصفوف التنظيم.