خاص – الرقة تذبح بصمت
بقيت دابق تلك القرية الصغيرة مرمية على الحدود التركية، لا يعرف بها حتى سكان حلب نفسهم، حتى مع بداية الثورة السورية، لم تسجل دابق موقفاً كجاراتها مارع وتل رفعت، ولم تعرف مجزرة للدبابات كاعزاز أيضاً، فغالبية شبابها كانوا يعملون في لبنان، أو المدن الكبرى.
كان الناس في دابق يعلمون حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق -أو بدابِقَ- فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سُبُوا مِنَّا نقاتلْهم، فيقول المسلمون: لا والله، كيف نُخَلِّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبداً، ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبدا، فيفتَتحِون قسطنطينية”، ومع بدء تشكل تنظيم داعش في بدايات ٢٠١٣، بدأت دابق تأخذ أهمية أكبر من دمشق حيث يقبع رأس النظام السوري، فيقول أحمد وهو أحد سكان قرية دابق: “كنت أعتقد أن قريتي خارجة عن كل الخرائط، حتى خريطة التنظيم السكاني والعمراني وخرائط الشبكة الكهربائية، ومع دخول رتل كبير لداعش إلى القرية في صيف ٢٠١٣، واتخاذهم المسجد الكبير مقراً لهم، أدركت أننا أصبحنا على كل الخرائط العالمية”.
واليوم أصبح ما لا يقلّ عن ٣٠ ألفاً من عناصر التنظيم، ينظرون إلى دابق، على أنها الملحمة الكبرى التي وعد بها الرسول الكريم، فقام التنظيم بإصدار مجلته المشهورة باسم “دابق”، لما لها من تجليات تاريخية وعقائدية بمنظوره، ولم تكن دابق أرض الميعاد لعناصر التنظيم فقط، إذ كانت معركة مرج دابق المشهورة تاريخياً عام ١٥١٦ م، بداية الفتوحات العثمانية وباباً للعثمانيين للدخول إلى سوريا والعالم العربي، ليمتد حكمهم لأكثر من ٥٠٠ عام.
بناء على كلّ ذلك، حرص التنظيم من خلال الترويج الإعلامي لمعركته الكبرى في دابق، على استقطاب أكبر عدد من المقاتلين إلى صفوفه، ليقنعهم بأنهم إن شاركوا في هذه المعركة، سيكونون ممن قصدهم الرسول بنبوءته، وهذه مكانة دونها الرقاب.
ويرغب التنظيم بشدة بأن تركّز وسائل الإعلام العالمية على مسألة دابق، فهو لأجل ذلك ينحر أسراه فيها، حتى يرتبط نحر الأسرى بدابق فينطبق عليها نص الحديث الشريف، وبالتالي يستدرج تنظيم الدولة العالم الغربي لمعركته الحاسمة.