يكشف بعض أفراد المجموعة الخاصة بتحرير النساء المعتقلات عند «داعش» وتهريبهن وإعادتهن الى منازلهن، للمرة الأولى، عن وجوههم، أمام كاميرات برنامج «الهروب من داعش». على رغم خطورة هذه الخطوة على حياتهم، استجابوا لمقتضيات منجز تلفزيوني أراد توثيق عملهم البطولي وعرضه على العالم بكثير من الصدقية.
يرافق فريق العمل المحامي خليل داغي، أحد نشطاء الشبكة الخاصة، خلال ترتيبه عملية تحرير بعض النساء الأذيديات المعتقلات لدى «داعش» في منطقة «تلعفر» شمال العراق. يجري خليل خلالها سلسلة اتصالات مع «أدلاء» يعملون سراً لمصلحة الشبكة داخل المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ومهمتهم تتلخّص في تهريب المعتقلات من سجونه وتوصيلهن الى مداخل طرق يكمل أعضاء الشبكة نقلهن منها الى مناطق آمنة، ولهذا يحاط عملهم بسرية تامة، فأي خطأ يُرتكب قد يؤدي الى كشف العملية وتصفية منفّذيها.
يكشف المحامي خليل، الذي كرس وقته لتخليص المسبيات من أَسرهن ومن المصير الأسود الذي ينتظرهن، بعض آليات عمل الشبكة، ومن بينها الحصول على معلومات دقيقة عن السجينات ومواقع السجون أو البيوت التي يُحـــتجزن فيها بمساعدة تليفونات محــــمولة يتم تهريبها إليهن عبر الأدلاء السريين. بعدها، يضعون خطة دقيقة لعمــــلية تهريبهن يشرف على تنـفيذها متطــــوعون في الشــبكة.
لتقدير أهمية عملهم وثقل المهمات المناطة بهم، يعرض الوثائقي البريطاني الإنتاج، المقدّم على قناة PBS الأميركية المستقلة، معطيات دقيقة عن أحوال النساء المختطفات – يقدر عددهن بأكثر من أربعة آلاف امرأة – عبر مقابلات أجراها مع نساء وصلن سالمات الى بيوتهن، لكنّ مرارة التجربة ما زالت تظهر قوية في كلامهن. عدا أفعال الاغتصاب والبيع، هناك طلبات الفدية وزواج القاصرات الذي أفتى به «المشرعون» الدواعش وبرروا به لمقاتليهم «الزواج» من الأطفال دون سن التاسعة، ولهذا كان فزع الأمهات اللواتي أُخذن مع بناتهن عظيماً، وعلى حد تعبير إحداهن: «لقد أنقذتم بناتي، وبالنسبة إلي كأنكم أنقذتم العالم كله».
يترك الوثائقي التلفزيوني العراق ليتّجه الى الرقة، حيث هناك عمل كبير يقوم به نشطاء سوريون أسسوا منظمة أطلقوا عليها اسم «الرقة تُذبح بصمت»، من بين أهم مهامهم تعرية ممارسات الدواعش في مدينتهم التي أقاموا فيها «خلافتهم»، عبر تسجيلات فيديو وصور يقومون بنشرها على شبكات الإنترنت ليتبيَّن للعالم كذب إقامة دولة العدالة. يركز «الهروب من داعش» على سلوك التنظيم ضد النساء في شكل خاص، ووفق شهادة الناشط السري «أبو محمد»: «نريد فضح تصرفاتهم الهمجية أمام العالم، وسلاحنا لمحاربتهم الكاميرا والإنترنت لا غير».
يقابل البرنامج سيدة قررت أخيراً ترك التنظيم بعدما عرفت أكاذيبه: «هؤلاء لا يعرفون الرحمة، ويقومون بقتل النساء من دون مراعاة الضوابط الشــرعية، ويفرضون قوانينهم الخاصة على الناس بالقوة». تقرّ السيدة بقيامها بعمليات تعذيب لنساء اعتبرتهن وقتها متجاوزات لحدود الشرع في ما يخص الملبس: «كنت مقتنعة بأن ما أقوم به ضمن فرق التفتيش النسوية التابعة لـ «الدولة» صحيح، وقد قمت بنفسي بتعذيب بعض السوريات، لكني اكتشفت بعد مدة خطئي فقررت الهروب منهم ومن حكمهم القمعي». يحــصل البرنامج أثناء وجـــوده في الرقة، على معــلومات تفيد لتحرير أكثر من ثلاثيــن امرأة في شمال العراق، فيقرر تســـجيل تفاصيلها كاملة.
حُشـــد للأمر عدد كبـــير من المقاتلين من أبناء المنطقة، من بينهم رجل أزيدي اتصل به أحد الدواعش «التونسيين» وطلب منه مبلغاً كبيراً من المال، من دون علم قيادته، مقابل إطلاق سراح بعض قريباته، وإلا سيكون موتهنّ أكيداً. تُظهر التسجيلات دقة التخطيط للعملية وشــجاعة المشاركين فيها، وتشهد على اللحظة الإنسانية التي قابلت فيها السجينات من أنقذهن بعد غياب مخيف امتدّ ثمانية أشهر، وسير على الأقدام لأيام من دون طعام وشراب خلال عملية التهريب.
لم يثنِ التعب والتوتر أعضاء شبكة التهريب من الانتقال مباشرة الى عملية جديدة، فما زال هناك الكثير ينتظرهم، وتهريبهم أكثر من خمسمئة سبيّة من «داعش» يشجّعهم على تحرير المزيد منهنّ.
المصدر : alhayat.com