حصري – الرقة تذبح بصمت
يمارس تنظيم داعش، بحق أبناء المناطق التي يسيطر عليها، شتى أنواع الجرائم، علناً ودون حساب، بل على عكس ذلك، فهو يسعى لنشر ثقافة الإرهاب حول العالم، معتزاً بها كونها أحد أهم الأسباب التي مكّنت حكمه، فخصص لها شقاً قويّاً من إعلامه، يعمل على تقديمها بكلّ اللغات والطرق.
قطع الرؤوس والأطراف والجَلد والرّمي من شاهق، جميعها طُبِّقت أمام الكاميرات وبُثَّت للعالم لتعكس حقيقة الوضع تحت سيطرة داعش، إلا أنّ الوضع داخل معتقلاته يسوء يوماً بعد يوم، بحسب شهادة معتقلين أفرج عنهم وآخرين استطاعوا الهرب من سجونه.
أبو رضا أحد المعتقلين في بناء أمن الدولة سابقاً، والذي يتخذه التنظيم سجناً حالياً، استطاع الهرب بعد قصف التحالف للبناء، وخرج اليوم عن صمته بعد وصوله إلى مكان آمن، فقال لحملة الرقة تُذبح بصمت، “أذكر ذلك اليوم جيداً، أربعة شهور مضت على الحادثة ولاتزال راسخة في ذهني، في البداية سمعنا عدة انفجارات ثم أصيب السجن الذي كنا فيه وملأ الغبار المكان، وكانت الرؤية صعبة جداً وارتبك عناصر داعش، فحاولنا استغلال الوضع للهرب من السجن وركضنا للخارج. أربعة أشخاص فقط استطاعوا الهرب، كنت من بينهم، فعناصر داعش أطلقوا النار باتجاهنا وأصابوا قسماً كبيراً منّا. داخل المعتقل، طُبقت علينا جميع أنواع التعذيب، كانت التهم مختلفة فبعضنا متهم بسبّ الذات الإلهية وإسقاط مشروع دولة الإسلام، وآخر بانتمائه للجيش الحر، فكان التعذيب مستمراً طوال اليوم ولا يوجد له وقت محدد، لكنه لا يمارس على الجميع، فبعض المعتقلين ممن يمتلكون جسداً قوياً وسليماً، لم يكن التنظيم يعذبهم بل كان يعتني بهم عناية صحية خاصة، كونه يستخدمهم كبنوك للدم، يسحب منهم عند الحاجة أوعند إصابة عناصره، كما كان يبحث عن بعض زمر الدم النادرة. لم يتوقف الأمر على سحب الدم من هؤلاء، بل تعدى ذلك إلى مراحل أخطر بكثير، فهنالك بعض العمليات الجراحية التي أجراها التنظيم ونقل بها أعضاء مثل الكلى وقرنية العين من معتقلين لديه إلى عناصره، بحجة أن هؤلاء المعتقلين مصيرهم الموت المحتوم وعناصر التنظيم أحق بتلك الأعضاء.”
الرقة تذبح بصمت لم تكتفِ بشهادة أحد المعتقلين فقط، بل أجرت تحقيقاً ميدانياً والتقت معتقلين سابقين داخل وخارج الرقة، بعضهم رفض الإدلاء بشهادته والبعض الآخر تحدث وطلب عدم نشرها خوفاً من انكشاف أمره لدى التنظيم، إلا أن أبو عبدالله كان من بين الذين تحدثنا معهم ووافق على نشر بعض التفاصيل، فقال، “تهمتي كانت الإتجار بالدخان واعتقلت بسببها ما يقارب الشهرين، تفاصيل كثيرة شهدتها داخل المعتقل، فعندما كنا نسمع أصوات الانفجارات نعلم أن عناصر التنظيم كعادتهم سيأتون إلينا ليسحبوا الدم وينقلوه لعناصرهم الذين أصيبوا، وأحياناً كانوا يأتون دون وقوع غارات، فنعلم أن لديهم جرحى نتيجة إحدى المعارك الخاسرة.”
لم يكتف التنظيم بسحب كل خيرات الأرض التي سيطر عليها من ماء وكهرباء ونفط وغاز، ولم يكتف بغسل عقول جميع الشبان والأطفال الذين أقنعهم بالانضمام إلى صفوفه، بل تجاوز ذلك ليطمع بأعضاء معتقليه ويقلتهم لاحقاً.