حصري – الرقة تذبح بصمت
يمر العام الربع على الرقة وتغيب عنها أي مظاهر من مظاهر العيد, فالتنظيم أغرق المدينة بالقتل والضرائب والقوانين الجائرة, التي حولت العيش في المدينة إلى كابوس, لكن اللافت للنظر في هذا العيد هو شبح طائرات النظام محملة بالموت.
ففي الرقة المدينة غابت جموع الأطفال عن الساحات العامة والحدائق, نتيجة الخوف من قصف طائرات النظام التي قصفت الرقة قبيل العيد بأيام وأدت لمقتل قرابة الـ 60 شخص وجرح العشرات, فأحجم الأهالي عن إرسال أبنائهم للحدائق خشية استهدافها من طيران النظام الذي قصف مدينة معدان ثالث أيام العيد بغارتين سببتا مقتل خمسة أشخاص وجرح ستة آخرين.
ولم يترك التنيظم فرصة لتجمع الأطفال دون استغلالها لتجنيدهم فسيارات المكتب الدعوي تجوب الأحياء في العيد, لتعرض كرنفالات ومسابقات للأطفال, منها للتسلية من خلال الهدايا والأناشيد, لكنها بحقيقة الأمر تهدف إلى تجنيد الصبية, فالمسابقات دينية بمعظمها, والهتافات للتنظيم ولزعيمه, فحتى الهدايا مرتبطة بالتنظيم (كتيبات تحمل فكر التنظيم – ملابس التنظيم التي فرضها على النساء – اقراص مدمجة وفلاشات تحمل إصدارات التنظيم الدموية), بالإضافة الى الأموال التي تأتي من باب ترغيب الصبية لمراجعة وزيارة مكاتب التنظيم .
حتى الحدائق حشر التنظيم نفسه فيها فحولها الى حدائق للعائلات وآخرى للذكور , فأصبح القسم الأكبر من تلك الحدائق مهجورة وموحشة نتيجة الإهمال.
وطقوس مقاتلي التنظيم من ركوبهم للأحصنة وحملهم للسلاح والسيوف, من أجل التصوير فليست غائبة في استعراض لعقد النقص التي يحملونها.
حتى الألوان الزاهية لملابس العيد غابت عن الاطفال, فباتت محال الألبسة المستعملة هي مقصد الأهالي, نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية لأهالي المدينة, كما يلاحظ جيداً لدى أبناء المهاجرين من الجنسيات المختلفة من شرق الأرض ومغربها, فلا تميز بين الصيني والأوزبكي والماليزي وبين أصحاب البشرة السوداء.
أما سجون التنظيم فلم يمر عليها العيد, فلم يطلق التنظيم سراح المعتقلين فيها, حتى مع حلول العيد واقتصرت قرارات العفو من الخليفة على وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
وشمال الرقة ليس بأحسن حالٍ من الرقة المدينة, فسلطات الأمر الواقع قامت قبيل العيد بإطلاق سراح العشرات من المعتقلين من سجونها, مبقيةَ على المئات منهم والتي تجاوز بعضهم فترة الشهرين في تلك السجون, والخارجون يتحدثون عن صنوف التعذيب التي لاقوها, وعن تدهور الحاة الصحية للكثيرين هناك.
اقيمت صلاة العيد في تل ابيض لكن سلوك ذات الـ24.000 نسمة لم ترفع فيها تكبيرات العيد فالمدينة ممنوع على سكانها العودة إليها, والذين اخرجوا منها منذ ثلاثة أشهر, وباءت جميع محاولاتهم للاحتجاج أو المطالبة بالعودة بالفشل, لتمارس بحقهم جميع أشكال القمع, التي بررتها وحدات حماية الشعب الكردية, كما بررها النظام سابقاً ( عدم وجود ترخيص ).
والعشرات من القرى التي تشابها حالتها حال سلوك لايزال أهلها ممنوعون من العودة إليها, ومن هُجر إلى تركيا يحتاج شهادة تعريف للعودة إلى بلدته أو مدينته.
فهذا حال أهل الرقة عموماً, لا بهجة بل غصة, لا فرحة بل حرقة, فلا لون غير لون الموت الأسود جنوباً ولون الكوليرا شمالاً الذي لا يعلن عن الحب في زمنه.