خاص – الرقة تذبح بصمت
عمل تنظيم “داعش”، بعد سيطرته على محافظة الرقة مطلع العام الماضي، على تقديم نفسه، المخلص الوحيد للمدنيين، من أخطاء الجيش الحر، فأنشأ بداية ما يسمى ديوان الخدمات، لتحسين توزيع الخبز في الأفران وتصليح شبكات الكهرباء فيالأرياف وبخاصة الريف الغربي، كما أقام محاكم لرد الأراضي على ضفاف نهر الفرات إلى أهلها الأصليين، بعدما سلبها حزب البعث، إبان الحركة التصحيحية المزعومة عام ١٩٧٣، ما أدى إلى نزاعات بين عشائر المنطقة، استغلّها التنظيم، في محاولة لبسط نفوذه والاستفراد بالقرار.
وقدّم التنظيم في منطقتي الزملة والمنصورة، الخدمات من ماء وكهرباء وتنظيم عمليات بيع المحروقات، والتي تعدّ من واجبه ومن أبسط حقوق أي مواطن، فضلاً عن كونها متوفرة في المنطقة بسبب وجود سد البعث (الرشيد) ونهر الفرات، وما إن مضت أشهر عدة على هذه الإصلاحات، التي عمل التنظيم من خلالها، على استقطاب سكان جدد إلى المنطقة، بعدما هجرها سكانها الأصليون، خوفاً من بطشه، حتى ظهر وجهه الحقيقي، فبدأ بأخد الأتاوات من أصحاب المحلات التجارية، مقابل الماء والكهرباء وتنظيف الشوارع، ليفرض على المدنيين لاحقاً، دفع مبالغ مالية مقابل خدمة الاتصالات الأرضية المحلية، ويعلن عن خلافته المزعومة في شهر رمضان، ويفرض على كل عائلة دفع الزكاة، بحجة إعطائها للفقراء، في ظل شروط تحدد من يستحقها.
وإضافة إلى كلّ ذلك، عانى أهالي الرقة أيضاً، قلة توزيع الخبز وكثرة الطحين المتوفر أساساً، والازدحام على الأفران، وعدم التزام عناصر التنظيم بالدور المخصص في توزيع وبيع الخبز، وأخذ حصة أكبر من الحصص المخصصة للمدنيين، بحجة الجهاد في سبيل الله، وهو ما أثار استياء المدنيين، وأعادهم إلى أيام فساد النظام السوري.
ويٌحرم الريف الغربي، حيث يوجد سد البعث (الرشيد) ونهر الفرات، من المياه والكهرباء أياماً متواصلة، لتأتي ساعات قليلة في الأسبوع الواحد، فقال (محمد) وهو موظف سابق لدى النظام، لم يستطع الذهاب لاستلام راتبه من مناطق سيطرة الأخير، بسبب المساءلة الأمنية من التنظيم، إنّ “أكثر ما كان يميز مدن وقرى الريف الغربي، في عهد النظام وعهد الجيش الحر، هي الكهرباء وتوفير مياه الشرب، الأمر الذي شجّع سكان المحافظات الأخرى، كحلب وريف حمص، على النزوح إلى المنطقة والاستقرار فيها، لكن بعد أشهر على سيطرة تنظيم داعش، أصبح الأهالي يتمنون عودة الجيش الحرّ، أو حتى النظام السوري، بسبب قلة توفر الاحيتاجات الأساسية من ماء وكهرباء وخبز، فالكهرباء تنقظع يومياً أكثر من ٢٠ ساعة، وأحيانا ننام بلا كهرباء، والأفران باتت تخبز يوماً وتغلق يوماً، ومياه الشرب تنقطع ويمنع تخزين مياه نهر الفرات، إلا بورقة من التنظيم، إلى جانب ازدياد نسبة الأمراض لدى الأطفال والحوامل، بسبب حرارة الشمس الشديدة، وكل ذلك، بحجة أنّ طيران التحالف يستهدف المحولات الكهربائية وأنّ ديوان الخدمات، يسعى لتصليح شبكات المياه والكهرباء وبحجج أمنية لا أحد يعلمها، لكن الغريب في الأمر أن المياه والكهرباء، لا تنقطعان عن مقرات وبيوت أمراء التنظيم، تحت ذريعة الخط الأمني، في حين نستخدم المولدات الكهربائية أثناء إقامة الصلاة في المساجد”.