اختارت “لجنة حماية الصحفيين” فريق “الرقة تُذبح بصمت” من داخل مدينة الرقة السورية لنيل “الجائزة الدولية لحرية الصحافة” إلى جانب صحفيين ومواقع إلكترونية أخرى.
ويلحظ بيان إعلان الجائزة أن فريق “الرقة تُذبح بصمت” هو “تجمّع لصحفيين مواطنين سوريين، وأحد مصادر الأخبار المستقلة القليلة التي واصلت التغطية الصحفية من داخل المدينة التي أعلنها تنظيم داعش الإرهابي عاصمة له”.
قصة هؤلاء الصحفيين المواطنين الشباب تتطابق مع مسيرة صناعة الحرية والحق في الحصول على المعلومة وتداولها في هذه البلاد، مسيرة درامية ودموية وحزينة في أغلب محطاتها، لكنها مليئة بالإنجازات وروح التحدي والتفاؤل.
إعلام الثورة بين النظام و”داعش”
كان الإعلام السوري حتى ما قبل الثورة مُدارا من قبل الأجهزة الأمنية، بل يذهب البعض إلى أنه كان جهازاً أمنياً رديفاً لبث الدعاية وغسل الأدمغة. وظهر مدى زيف وكذب هذا الإعلام عشية اندلاع الثورة السورية في آذار 2011 عندما بدأ ينصب جهده على إنكار ما يجري وتسويق رواية تصور الثورة بأنها مؤامرة خارجية يؤديها مندسون.
ومنذ ذلك الوقت دخل آلاف الشبان السوريين، الذين لا يمتلكون أدوات ومهارات العمل الإعلامي، في صراع معه لإيصال صوت الشارع السوري الثائر وحصر خطاب النظام الإعلامي داخل فئة قليلة من الموالين.
مع انحسار سيطرة النظام عن مناطق واسعة من البلاد وجد العمل المدني عموماً، والعمل الإعلامي بوجه خاص، أرضاً صلبة يقف عليها للمرة الأولى وميداناً وحاضنةً لفعله وتأثيره. هذا ما حدث في الرقة لأشهر قليلة بعد الشهر الثالث من العام 2013، حيث كثرت منظمات المجتمع المدني وأصبحت صحف الثورة علنية وبدأ الناشطون يستخدمون أسماءهم الصريحة في وسائل التواصل الاجتماعي ويجرون تحقيقات صحفية ويراسلون وسائل إعلام سورية وعربية ودولية.
إلّا أن الحال تغير بعد أشهر قليلة مع ظهور “داعش”، فتحولت حياة الناشطين والمواطنين الصحفيين إلى جحيم وليعودا إلى استخدام أسماء وهمية خوفاً وتحسباً، وتعود محاولة الحصول على المعلومة والخبر والصورة ونشرها جريمة تستجر على صاحبها القتل.
كما تحولت ساحات مدينة الرقة وبلداتها إلى خشبات يقدم عليها “داعش” أبشع رسائل الترويع عبر جثث وأشلاء مخالفيه من أصحاب الرأي السياسي. في هذا الجو المشحون بالخوف بدأ شباب المجموعة العمل.
فتوى “داعش” بإعدام فريق الحملة
يقول أبو محمد، أحد مؤسسي الحملة: لن أصرح باسمي الحقيقي “حفاظاً على عائلتي في الرقة ففي الفترة الماضية أعدم داعش والد أحد أعضاء حملتنا… ونحن جميعاً محكومون بالإعدام منذ شهر أيار 2014 بتهمة الردة عن الدين.. وخطيب أحد الجوامع في الرقة قالها من المنبر هولاء كفار ويجب قتلهم والأجر عند الله”.
ويعرف أبو محمد فريق الحملة “نحن مجموعة مدنية إعلامية مستقلة، لا نتبع لأي جهة سياسية أو عسكرية. بدأ عملنا في 16 نيسان 2014”. وعن الاسم الغريب للحملة يفسر أبو محمد: “تم اختيار الاسم ليوضح الواقع التي تعيشه مدينة الرقة بعد سيطرة “داعش” ومباشرته بتنفيذ عمليات إعدام واعتقال ممنهجة بحق الناشطين والمدنيين”.
وحول المشكلات التي واجهها الفريق في عمله يقول: “واجهتنا الكثير من المشكلات والصعوبات منذ بداية عملنا، فقد تم إعدام أحد أعضاء الفريق، اسمه “المعتز بالله ابراهيم “. وتصاعدت المشكلات والمخاطر فأصدر “داعش” علينا جميعاً حكماً غيابياً “بالإعدام في الشهر الخامس 2014 بتهمة الردة عن الدين”.
أما التحدي الأبرز أمام ناشطي الحملة فقد تمثل في: “نظام داعش الأمني الذي استطعنا اختراقه مئات المرات، والوصول لمعلومات حصرية للفريق، وتم نشرها مثل إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة”.
مسيرة مستمرة
يؤكد أبو محمد على استئناف خط فريق الحملة والمضي حتى نهاية الشوط: “مسيرتنا لم تكتمل ولن تكتمل إلى أن تنتصر الثورة السورية”. ونحن كفريق و”كممثلين لمحافظة الرقة إعلاميا أعتقد أننا نجحنا الى حد ما”، فصورة ما يجري في الرقة تتضح أمام العالم ولم ينجح “داعش” في طمسه أو مواراته. هذا النجاح للفريق جعل وسائل إعلام عالمية تعتبر الفريق مصدراً للخبر المؤكد؛ وهو ما دفع “القناة البريطانية الرابعة إلى انجاز فيلم مشترك بالتعاون مع أعضاء الفريق”.
كما يرى أبو محمد في الجائزة الدولية لحرية الصحافة: “دافعاً لنا لنقدم المزيد. للثورة جوانب عدة، منها المدني والإعلامي وهذا ما اخترناه لمواجهة “داعش”. وسنواصل عملنا حتى بعد زوال داعش والأسد”.
اليوم، يعيش معظم أفراد حملة “الرقة تُذبح بصمت” خارج الرقة، لكنهم يعيشون قلق يومي على زملائهم العاملين داخل الرقة كما على أسرهم في حال انكشاف هوياتهم الحقيقية لـ”داعش”، ونيلهم هذه الجائزة سيزيد من غضبه وحقده عليهم؛ لكن من المؤكد أن الرقة حصلت على صوتها الإعلامي فما عادت تُذبح بصمت. وفريق الحملة، الذي يدير اليوم موقعاً إلكترونياً متخصصاً في شؤون محافظة الرقة، حصل على اعتراف دولي بجهوده وشجاعته وتضحيات أفراده.
المصدر : عزام الحاج – alaan.tv