كيف يحافظ تنظيم داعش على تحقيق شعاره “باقية وتتمدد”
كثرت التحليلات والآراء والنقاشات التي تحاول الإجابة على التساؤلات التي ما تزال تؤرق المحللين والمتابعين عن طبيعة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وسبب تماسكه وقدرته على تحقيق شعاره في البقاء والتمدد، بالرغم من وجود العديد من الأطراف التي تحارب التنظيم وتحاول القضاء عليه، مثل الجماعات والفصائل المحلية وجيوش الدول الإقليمية والأجنبية التي تشارك في التحالف الدولي ضد هذا التنظيم.
يبدو أنه لا أحد يستطيع حتى هذه اللحظة أن يعطي تحليلاً شاملاً أو حقائق مفصلة للإجابة على هذه التساؤلات، ولكن حملة “الرقة تذبح بصمت” ما زالت تحاول جمع المعلومات والمعطيات حول بنية التنظيم وآليات العمل التي يتبعها على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والإدارية، من خلال مجموعة من المصادر المحلية داخل العديد من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
تفيد هذه المعلومات بأن التنظيم يعتمد على تقسيم كل منطقة إلى عدة ولايات، وتقسيم الولايات بدورها إلى مجموعة من القواطع، يتواجد في كل قاطع أمراء المدن والقرى. يعتبر التنظيم أن كل من هذه التقسيمات هو بمثابة قوقعة او حلزون مستقل، ولتوضيح الأمر سنأخذ ولاية الرقة كمثال.
البنية الصلبة واللامركزية المرنة سر بقاء التنظيم
يعتبر أمير الرقة المسؤول الأول في الولاية، حيث يشرف على الأعمال العسكرية والأمنية التي يخوضها التنظيم داخل حدود ولايته، بالإضافة إلى تسيير الأمور الإدارية والتجارية التي تتعلق بإدارة الحياة اليومية للمواطنين. يأتي في المرتبة الثانية نائب الأمير الذي يقوم بأداء بعض مهامه وينوب عنه في حال غيابه.
تقسم ولاية الرقة إلى أربعة قواطع، وهي قاطع المدينة وكل من القاطع الشرقي والغربي والشمالي، لكل من هذه القواطع أمير مستقل، ويتواجد فيها عدة أمراء للمدن التي تقع ضمن هذا القاطع. يحتوي كل قاطع على هيكلية إدارية مشابهة للبنية التنظيمية الخاصة بالولاية، فعلى سبيل المثال هيئة الخدمات الإسلامية في مدينة تل أبيض تخضع إلى سلطة والي تل أبيض بشكل مباشر، ولكنها تتبع أيضاً إلى هيئة الخدمات الإسلامية في ولاية الرقة.
يقوم فكر التنظيم على اعتبار كل مدينة قوقعة منفصلة تقوم بأداء مهامها وتسيير شؤونها بمعزل عن المدن والمناطق الأخرى، كل مدينة لها أمير مسؤول عن تنظيم وتسيير الشؤون العسكرية والأمنية المتعلقة بها، بالإضافة إلى تسيير الأمور الإدارية والخدمية فيها.
يقوم الأمير بتنظيم أمور الجباية والتحصيل من أجل تغطية النفقات التي تتطلبها مدينته، كما يسعى لأن تقوم مدينته بالإسهام في بيت مال القاطع ومن ثم بيت مال الولاية وصولاً إلى بيت مال المسلمين.
ومن جهة أخرى، يعتبر الأمير مسؤولاً عن زيادة عدد المنتسبين إلى صفوف التنظيم من المدينة التي يديرها، بحيث يصبح لديه العدد الكافي من الأشخاص القادرين على إدارة المدينة، ومن ثم الانتقال إلى رفد التنظيم بأعداد إضافية من المجندين للعمل في مختلف المجالات.
يعتبر الأمير مسؤولاً عن استقرار وديمومة التنظيم في منطقته، والحفاظ على الأمن من خلال عناصر التنظيم المتواجدين لديه، وفي حال التعرض لخطر كبير فيتوجب عليه ترميم قوقعته عن طريق طلب التعزيزات من القاطع المتواجد فيه. يعمل القاطع كحلزون اكبر ويحاول المساعدة والترميم داخل حدوده، وفي حال كان الضغط اكبر يتم اللجوء إلى القوقعة الأكبر وهي الولاية التي ترمم نفسها بمواردها الذاتية، وتساهم في مساندة القواقع الأخرى.
أما في حالة المخاطر والتهديدات الإستراتيجية، فيتم طلب التدخل من قبل جيش الخلافة والقوات العسكرية الأخرى التي يشرف على إدارتها القائد العسكري العام للتنظيم، والذي يوجه قوات النخبة أو قوات من الولايات الأخرى باتجاه المنطقة التي تتعرض للهجوم.
التنظيم يتمدد على حساب ضعف وتشتت خصومه
عندما يريد التنظيم التمدد إلى منطقة جديدة يعمد إلى إنشاء قوقعة في أقرب مدينة من تلك المنطقة، ويعتمد بالدرجة الأولى على أبناء هذه المنطقة، وذلك من خلال مبايعة كتيبة أو فصيل عن طريق إغرائه بالمال أو السلطة إن أمكن، وإلا فيتم اللجوء إلى إرسال عدد من العناصر كموطأ قدم للتنظيم في تلك المنطقة، حيث يباشرون أعمال التجنيد وزيادة العناصر والأنصار، والابتعاد عن قتال الفصائل الأخرى أو أي تصرف يؤدي إلى إضعافه أو إدخاله في صراع مبكر قد يتسبب في القضاء على القوقعة الجديدة في مهدها.
بعد أن يوطد التنظيم تواجده في المنطقة الجديدة، يتجه إلى قضم الفصيل الأضعف والأكثر إثارة للجدل في هذه المنطقة، ولا يملك حاضنة شعبية كبيرة من اجل كسب تعاطف الناس بتلك المنطقة. بعد ذلك يعمد إلى إنهاء تواجد كافة الفصائل والجماعات المتواجدة في المنطقة، وعندما ينتهي من تطهير قوقعته من المنافسين الآخرين، يبدأ بالاستعداد للتمدد من جديد عن طريق تجهيز القوقعة الجديدة وتعزيز إمكانياتها.
وعند الوصول للعدد المطلوب الذي يخوله التمدد في المنطقة، يخوض المعركة بالاعتماد على الإمكانيات المتوافرة من عناصر وأسلحة وذخائر، ولا يستعين سوى ببعض العتاد النوعي أو بعض المستشارين والقادة ذوي الخبرة من القواقع المجاورة. وفي حال تعسر الهجوم يتم تزويد القوقعة بعناصر وإمدادات إضافية، وهو ما لا يحبذه التنظيم بسبب تخوفه من أن يقوم الطيران باستهداف هذه التعزيزات.
يعتمد التنظيم في عمليات التمدد على المقاتلين المحليين بشكل رئيسي، ولا يتم الاستعانة بالمهاجرين إلا في حالات الخطر الشديد، من أجل زيادة فعالية القوة المهاجمة أو تحصين القوات المدافعة.
ولذلك فإن الأطراف الذين يحاربون التنظيم إنما يقاتلون القوقعة التي تقع على تماس معهم، وبهذه الطريقة فان كثرة الأعداء لا تؤثر في التنظيم ككل، لأن كل قوقعة تعمل على خلق توازنات وتحالفات مع بعض الفصائل والأطراف المحلية والقبلية، كما أن عدو التنظيم في منطقة ما قد لا يكون عدواً له في مكان آخر، كما هو عليه الحال بالنسبة للعلاقة مع جبهة النصرة التي يحاربها التنظيم في عدة جبهات ويتعاون معها في جبهات أخرى.
وبناءً عليه، فإن كل قوقعة مسؤولة عن مجابهة الأعداء المتواجدين في محيطها، حيث تتكيف لصد الهجمات في أوقات قوته وتستعد للتمدد في حالات ضعفه، في حين أن الأطراف الذين يقاتلون التنظيم ليسوا متفقين وكل منهم يقاتل التنظيم على حدة دون وجود تنسيق فيما بينهم، ولذلك فهم لا يقاتلونه مجتمعين في وقت واحد، فهناك جبهات مشتعلة وأخرى فيها نوع من البرود والمهادنة، وهذا أكثر ما يفيد التنظيم في تعزيز مواقعه على الأرض، ويساهم في استمراريته وقدرته على الوفاء بشعاره في البقاء والتمدد.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.