خاص – الرقة تذبح بصمت
عمل تنظيم داعش منذ ظهوره على احتكار تمثيل الإسلام واستغلال رموزه وشعاراته لتحقيق غاياته وأهدافه الخاصة، وكانت منابر المساجد السلاح الأمضى في يد التنظيم للنيل من خصومه وتأليب الرأي العام ضدهم، حيث عمل على استغلال التقصير والأخطاء التي وقعت فيها بقية فصائل الجيش الحر من خلال التحريض عليهم من قبل خطباء المساجد التابعين له، ومن جهة أخرى بنى التنظيم خطابه الديني على أفكار وشعارات إسلامية مثل الخلافة وتطبيق شرع الله بهدف استمالة الناس والتلاعب بمشاعرهم الدينية.
وكان لا بد للتنظيم من أجل تحقيق هذه السياسة من اللجوء إلى قمع أصوات الأئمة المخالفين لفكره، من خلال التضييق عليهم وملاحقتهم أو حتى إبعادهم أو قتلهم إذا لزم الأمر، حيث اتهم هؤلاء الأئمة بأنهم “علماء السلطان” لأنهم ما زالوا يتقاضون رواتبهم من وزارة الأوقاف التابعة لنظام الأسد، وبأنهم يعتنقون الفكر الصوفي الذي يعتبره التنظيم “زندقة وكفراً” وخروجاً عن الإسلام حسب تصوره.
بعد السيطرة على أجزاء واسعة من سوريا والعراق ونظراً لنقص الكوادر الشرعية من خطباء المساجد، فقد اضطر التنظيم إلى إعادة توظيف قسم من الأئمة السابقين بعد إخضاعهم لدورات شرعية تحت إشراف مكتب الدعوة والإرشاد في وزارة الأوقاف التابعة له، ولكنه استخدم أيضا سياسة الترهيب والترغيب مع هؤلاء الأئمة، من خلال تخصيص رواتب لاستمالة البعض منهم وإصدار قرار بمنع استلام الرواتب من النظام، لإجبار البقية على الانصياع له والعودة للعمل في المساجد.
في بداية الأمر كانت الخطب غير موحدة ومن اختيار الخطيب نفسه، ولكن سرعان ما اتخذ التنظيم قراراً بتوحيد هذه الخطب، ليكون مضمونها متمحوراً حول مفاهيم تهدف إلى الترويج لفكر التنظيم مثل البيعة والولاء والبراء، مما اضطر العديد من الخطباء إلى ترك المنابر والهجرة للعمل في مجالات أخرى غير الخطابة.
وهكذا ظهرت الحاجة من جديد إلى تعويض النقص في خطباء المساجد، مما أجبر التنظيم على افتتاح دورات شرعية لطلاب قد لا تتجاوز أعمارهم خمسة عشر عاماً، ولكن واقع الحال في الرقة يكشف بأن المشكلة ما تزال قائمة، حيث تعاني معظم القرى في أرياف الرقة من عدم وجود خطباء في المساجد، مما يضطرهم إلى أداء صلاة الظهر عوضاً عن صلاة الجمعة.
ويبدو أن منابر الرقة الفارغة من خطبائها ستظل شاهدة على الفجوة التي يحاول التنظيم ردمها من خلال الإيحاء بأن طلاب العلم الشرعي متوافرون في أرجاء عاصمته التي يفترض أن تكون مركزاً للخلافة الإسلامية التي ينشدها.