داعش .. فكر البعث العراقي بأدوات النظام السوري

تيم رمضان – الرقة تذبح بصمت

في أبريل/ نيسان من العام ” 2013 ” أعلن أبو بكر البغدادي” قائد تنظيم داعش” في العراق عن اندماج بين الدولة الإسلامية في العراق مع جبهة النصرة لأهل الشام ,  الفصيل المنتدب من قبل البغدادي للقتال في سورية في يناير 2012 تحت قيادة الجولاني بقوة قوامها سبعة آلاف مقاتل مكونة في بدايتها بشكل رئيسي من مقاتلين غير سوريين تم انتدابهم من العراق من ذوي  الخبرات الطويلة  في الحرب ضد الجيوش النظامية في العراق وأفغانستان ليشكّلوا نواة لما عُرف لاحقاً بــ ” جبهة النصرة لأهل الشام ” في سورية , وليتم إضافة عناصر سوريين جدد لكسب الحاضنة الشعبية , وتصبح الجبهة الفصيل ذائع الصيت في ساحة القتال ضد النظام بعملياتٍ وتسليح نوعي في ريف دمشق و دير الزور وحلب وتنتشر في باقي المناطق السورية مع مرور الوقت , ولتتميز عن  بقية  الفصائل المسلّحة الموجودة في الثورة السورية من خلال اجبارهم على الانصياع لقيادة النصرة وتصدي النصرة لأخطر العمليات الميدانية وتقديم الذخيرة والمال للكتائب المحسوبة على المعارضة السورية , كونها بحاجة لدعم لم يكن متوفر لها في ذلك الوقت .

تم إعلان الاندماج في 9 ابريل/ نيسان 2013 ليصبح اسم ” الدولة الإسلامية في العراق والشام” ممثلاً للنصرة والدولة الإسلامية في العراق , وهو تاريخ سقوط بغداد وتهاوي حزب البعث في العراق في عام 2003, ولتعرف بعدها هذه الدولة باسم داعش كاختصار لمسماها الأصلي , وكانت تهدف إلى السيطرة على ساحة القتال في سورية  بعد مطالبة المعارضة المسلحة بالحرية والديمقراطية , وهذا ما تعتبره الجماعات المتطرفة “كفر وردة” يتوّجب قتل حامل هذه الأفكار مستغلين انتهاكات مُورست من قبل  المسلَّحين على  المدنيين في الساحة السورية , هذا الأمر الذي لاقى الرفض من قبل الجولاني الذي أصرَّ على بقاء الانفصال بين الفصيلين و اعتبره مضراً لشعبية النصرة نتيجة التاريخ السيء للدولة الإسلامية في العراق ورفض الشارع السوري لممارساتهم .

ومع إصرار  الجولاني على الانفصال وتعنت البغدادي على الدمج حدثت انشقاقات في صفوف النصرة أدت إلى هجرة معظم المقاتلين الغير سوريين من النصرة إلى صفوف داعش , وخصوصاً من كانوا قد أُرسلوا من قبل البغدادي للقتال مع النصرة وعودتهم إلى الفرع الرئيسي لهم , وقد كان هؤلاء المنفصلين يشكّلون دعائم النصرة الأساسية والقوة الفاعلة فيها من حيث التنظيم والانضباط والقدرة القتالية , مما سبب تراجعاً في أداء النصرة وانحساراً في  قدراتها القتالية , ليجدَ الجولاني نفسه محاطاً بمقاتلين سوريين لا يمتلكون الخبرة المرجوة في عمل التنظيمات المتطرفة , مع قلة قليلة من المقاتلين الاجانب الذين لم يقدَّموا الولاء المطلق له ، إضافةً لفقدان الدعم المقدَّم من البغدادي له , حيث كان للمقاتلين السوريين دور كبير في تصدّع قاعدة النصرة الشعبية كونهم في الأساس من أصحاب السوابق انضموا للنصرة لتأمين الحماية لهم ولتحقيق أهداف أخرى بعيدة عن تطلعات الثورة السورية , حيث تجلّى ذلك بممارسة بعضهم  لأعمال الاستيلاء على المعامل والمصانع والمنشآت الاقتصادية، مما جعل الحاضنة الشعبية لجبهة النصرة تتآكل تدريجيًا لصالح تنظيم “داعش ” الذى تميّز بالنظام والانضباط الشديدين، فضلاً عن الخبرات القتالية والتسليح العاليين .

وماهي إلا بضعُ أسابيع , لتظهر داعش بوجهها الحقيقي مطبّقةً ممارساتها المتطرفة الاقصائيّة في المناطق التي تحكمها ساعيةً لتطبيق الشرع الإسلامية بمفهومهم الخاص , مستخدمين منابر المساجد لسنّ القوانين الشرعية التي توافق عملها وفرضها بحد السيف على رقاب المواطنين من فرض للنقاب ومنع اختلاط وتحويل الكنائس إلى مقرات لهم وقطع ٍ للرؤوس والأيادي , وهو أمر لم يكن موجوداً  لدى الجبهة في ذلك الوقت كون سياسة القاعدة تبطل عمل الحدود في ظل غياب الحاكم , على عكس داعش التي تعتبر أبو بكر البغدادي هو الخليفة والقائد وله القدرة على التمكين في الأرض .

كانت أولى مواجهات داعش في سوريا مع الجبهة بعد أن رفض الجولاني الاندماج، لتبدأ داعش في عملية “استعادة” الدعم الذي كان البغدادي يمد به الجبهة سابقًا، فاستولى على  عدد من مقرات الجبهة ومخازن أسلحة تابعة لها ، في محاولة لتثبيت نفوذها في سوريا بأسرع وقت، إلاّ أنها كانت حرب شكلية أدت لتهاوي فصائل الجيش الحر ولم تؤّثر على النصرة التي تعتبر داعش ” أخوة المنهج” أي شركائهم في العقيدة والحكم على الرغم من رفض الاندماج.

منذ أن بدأ الخلاف بين البغدادي و الجولاني تغيّرت ممارسات النظام السوري مع داعش، لتتحوّل إلى تقديم الدعم الغير مباشر لها سعيًا في تثبيتها على الساحة السورية، بعد أن أصبحت طرفًا أساسيًا في قتال “النصرة” وأغلب فصائل المقاومة السورية، لتشكّل بذلك عصاً غليظة لها ضد الثورة السورية , سامحة لجيش النظام  بدخول مواقع كانت خارجة عن سيطرته وعجز عن استردادها في السابق , ووصل الأمر إلى دعمها عسكريًا في قتالها للجيش الحر ، مستخدمًا القصف الجوي لتوفير غطاء لها، ويمهّد لها الاستيلاء على مناطق محرّرة تحت سيطرة غيرها من الفصائل , حيث تم قصف مقرات لجبهة ثوار سورية في مناطق متفرقة من حلب وادلب لإضعافها لصالح داعش .

ولا يمكن تجاهل مدى استفادة النظام السوري من داعش واستغلالها لصالحه بما يشوّه الثورة السورية ويضعف كثيراً موقف المعارضة الدولي متبعاً سياسة التحكم في توجيه مسار داعش مستغلاً الهدف المشترك بالقضاء على  الجيش الحر والفصائل المعارضة بغض النظر عن الطريقة والأسباب , مستخدماً التسليح والنفوذ على الأرض في توجيه دفة الاقتتال بما يضمن إنهاك الجميع وانهاء مسارات الثورة السورية من عمل سياسي وعسكري وموقف دولي , كاسياً الثورة السورية بثوب التطرف والإرهاب .

“داعش” كانت وكأنّها فصيل تابع لـ حزب البعث العراقي السابق الذي يمتلك خبرة كبيرة في إدارة الصراعات وبثَّ الفتنة وتشتيت الاطراف المقاتلة , كون قادته من ما يسمى “مجلس الشورى” وهم ضباط استخبارات عراقيين كانوا على عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين من أمثال “حجي بكر وأبو علي الأنباري وأبو أيمن العراقي وأبو مسلم التركماني” وكثيرين غيرهم يديرون سياسة داعش ومعاركها في سورية , ويثبت ذلك برفضهم قتال ” جيش الطريقة النقشبندية ” في العراق صاحب الفكر الصوفي الذي يكفّره التنظيم , إلا أن قيادته من قبل ” عزت الدوري ” نائب الرئيس  العراقي السابق صدام حسين , جعلتهم يكتفون بالحرب الإعلامية الكلامية بين الطرفين , وهذا الفكر الاستخباراتي  أتاح لهم التفوق على البقية متخذين شعاراً ” باقية وتتمدد” المستنبط من شعار حزب البعث ” ذات رسالة خالدة ” .