“إذا جرى القبض عليك، يجب أن تفجر نفسك، لأنهم إذا قبضوا عليك، فلن يرحموك، سيكسرون عظامك، ويوسعونك ضربا.” قوبلت هذه الكلمات بموجة من الضحك من مجموعة من البريطانيين. يمكن أن يسمع هؤلاء وهم يتحدثون مع بعضهم البعض، أحدهم بلكنة شمالية يتحدث عن تجربته الأخيرة التي أصيب فيها في أول معركة يخوضها. كسرت ساق هذا الشاب بعد إصابتها بطلقة من جندي سوري، على بعد أميال كثيرة من منزله في مانشستر. يضحك رفاقه مرة أخرى وهو يروي اللحظة التي أمسك فيها بحزام ناسف، معتقدا أن حياته قد أشرفت على الانتهاء. يشار إلى هذا الشاب المصاب، الذي يتحدث في أغلب فترات الحوار المسجل الذي بث على الانترنت، باسم أبو قعقاع. ويعتقد بأن اسمه الحقيقي هو رافاييل هوستي، وهو طالب من مانشستر.
صرح أحد القضاة مؤخرا بأن هوستي “أصبح شخصية ملهمة تشجع الآخرين على السفر والانضمام للجهاد” في سوريا والعراق. تبرز حالة أبو قعقاع الدور المهم الذي تلعبه مجموعات الأصدقاء في هذا الصراع.
يرتبط هؤلاء الرجال، الذين يمكن سماع أحاديثهم ومزحهم عن تجاربهم التي تتسم بالعنف، بشعور مشترك بأنهم “أخوة في السلاح”. وفي حقيقة الأمر، فإن رحلة هؤلاء من بريطانيا سعيا إلى “الاستشهاد” في ساحات المعارك في العراق وسوريا غالبا بدأت من مجموعات من الأصدقاء داخل بلدهم.
وفي تدوينة كتبها من سوريا، وصف أبو قعقاع كيف أنه شعر بالإحباط في الأيام الأولى من الصراع السوري “بسبب رؤية أشقائنا وشقيقاتنا يموتون ويصابون..بينما نحن لا نزال نحن منشغلين بالكلام دون أي فعل”.
ويروي الرجل كيف أنه وأصدقاءه كانوا يتحدثون فقط دون اتخاذ أي خطوة إزاء ما يجب عليهم فعله، لكنه كان في الوقت نفسه يتعرض لضغط من والديه ليكمل دراسته.
ويتحدث أبو قعقاع عن السبب الرئيسي وراء قراره الذهاب إلى سوريا، وكان ذلك في اليوم الذي “توصل فيه اثنان من الأخوة إلى قرار المغادرة….وفور أن سمعت بهذا الأمر، توجهت إليهم سريعا وأنا في غاية الحماسة”.
“علاقات في العالم الواقعي”
بحسب أوراق قضائية، فإن هوستي ترك زوجته وابنه الصغير للالتحاق بزملائه الطلاب خليل رؤوفي ومحمد جاويد، بالإضافة إلى صديق رابع من مانشستر يدعى نور حسن، وجميع هؤلاء قد أنهوا للتو فترة المراهقة ويتعطشون لخوض غمار المعارك.
وذكرت أسماء جميع هؤلاء في محاكمة جامشد جاويد، وهو مدرس أحياء من مانشستر ساعد هذه المجموعة على السفر إلى سوريا للقتال. سجن جاويد، الذي كان ينوي الذهاب إلى سوريا أيضا، في وقت سابق من هذا الشهر بتهم الإرهاب.
وقال شيراز ماهر، وهو باحث في المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينغز كوليدج في لندن والذي يتابع حركات المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق: “إننا نتحدث كثيرا عن الانترنت، لكن هؤلاء أشخاص يرتبطون بعلاقات في العالم الواقعي.”
وأوضح أن الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي “يلعبون دورا” في تأجيج الآراء، لكن “العالم الواقعي هو الذي يكون فيه الدافع والخدمات اللوجستية العاملين المؤثرين”.
ويعزز هذه النظرية البحث الذي أجرته بي بي سي، والذي يظهر وجود مجموعات جغرافية انطلق منها أصدقاء، وفي بعض الأحيان، أقارب من بريطانيا للانضمام للجهاد.
غادر ستة أصدقاء من بورتسموث، أحدهم مزح لاحقا بأنه يمكنهم تشكيل كتيبتهم الخاصة تحت اسم “أشرار بنغلاديش، وهؤلاء قتل أربعة منهم وسجن الخامس. وقال ماهر، الذي كان له اتصال مع بعض هؤلاء، لبي بي سي: “كانوا هؤلاء مجموعة متماسكة من الأصدقاء تجمعهم نفس الأفكار.”
وأضاف: “لقد كانوا مسلمين محافظين بشكل كبير ويشاركون في دروس وعظ في الشوارع في مسقط رأسهم…لقد قرروا القيام بتحرك جماعي.” وقامت مجموعة أخرى من ثلاثة أصدقاء مراهقين من كوفنتري بتحرك جماعي أيضا. وترك هؤلاء عائلاتهم في ربيع عام 2014، وبعد أسابيع كان لهم نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، وبثوا تعليقات تدعم تنظيم “الدولة الإسلامية.” وقتل اثنان من هذه المجموعة، وهو ما أصاب عائلتيهما بالحزن الشديد.
وفي شرق لندن، في برمنغهام وكارديف أيضا، كانت هناك مجموعات من الأصدقاء انضموا للقتال في سوريا والعراق.
وقال مارك سيغمان، خبير الأمن القومي الذي عمل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي اي ايه” وكتب عن مشكلة التطرف وقدم استشارات للحكومات بشأنها، :”هؤلاء ليسوا شبابا مهووسيين، إنهم يشعرون بأنهم يتشاطرون نفس المصير، ومثل العديد من الشباب فإن لديهم تصوراتهم الجامحة.”
وأضاف أن البشر “كائنات اجتماعية وهو يفعلون كل شيء استنادا إلى الصداقة والقرابة”، وهذا يشير إلى “فشل هؤلاء الشباب في الانسجام مع الهوية الوطنية البريطانية. إنهم ينظرون إلى بريطانيا على أنها منخرطة في حرب ضدهم.”
وأوضح أن الأمور ستزداد تعقيدا بسبب المحاولات الأخيرة لتجريم بعض هؤلاء الذين سافروا إلى سوريا والعراق.
دعاية مؤثرة
وقال أيمن دين، وهو عضو مؤسس في تنظيم القاعدة تحدث للمرة الأولى علنا عن دوره كعميل سري للمخابرات البريطانية ام اي 5 اخترق شبكات المتطرفين، إن “الرواية المقابلة مرتبكة وليست متماسكة..فوصف هؤلاء الأشخاص بالمجرمين لن يجدي نفعا”. وأوضح أن الدعاية المؤيدة لتنظيم “الدولة الإسلامية” شجعت شبانا مسلمين على الاعتقاد بأنهم جزء من مشروع فريد لإعادة تأسيس الخلافة الإسلامية. وتابع بأنه جرى إقناع هؤلاء بأنهم “مرغوبون”، وأنهم “سيحاسبون أمام الله إذا فشل هذا المشروع، لأنه إذا فشل فإنك ستكون آثما”.وأردف دين قائلا إنه فور وصول المجندين الغربيين من الشباب إلى سوريا أو العراق، فإنهم يتلقون دروسا دينية من جانب معلمين جدد.
وبعد ذلك تعاد للمجندين الغربيين هواتفهم ويطلب منهم الاتصال بأصدقائهم في بلدهم الأصلي والتحدث معهم عن تجربتهم والتأثير عليهم.
وردا على المزاعم التي تقول إن معاملة هؤلاء الذين يسافرون للقتال في العراق أو سوريا على أنهم مجرمون ليست استراتيجية فعالة، قالت متحدثة باسم وزارة الداخلية البريطانية: “أولويتنا هي منع الأشخاص من السفر إلى مناطق الصراع هذه، واستراتيجية الوقاية تعمل على تحديد ودعم الأفراد الذين يواجهون خطر التطرف.”
لكن المتحدثة قالت إنه بالنسبة للأشخاص الذين يسافرون للانخراط في “نشاط إرهابي، فإنه يجب عليهم أن يعلموا علم اليقين بأننا سنتخذ أقوى الإجراءات الممكنة لحماية الأمن القومي من بينها ملاحقة أولئك الذين ينتهكون القانون”.
المصدر : .bbc.co.uk
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.