كتبت- هدى الشيمي:
حمزة شاب بالغ من العمر 33 عاما، وّلد في الفلوجة الواقعة على بعد 40 ميل من العاصمة العراقية بغداد، وهي إحدى المدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وبعد فترة انضم إليه، ليكون أحد المقاتلين في صفوفه، لأنه اعتقد إن مبادئها تتناسب مع دينه .
وأثناء مقابلة مع صحيفة الاندندبنت، رفض حمزة الافصاح عن اسمه الحقيقي، أو مكانه، وتكتم عن كيفية هربه من التنظيم، في شهر يناير الماضي.
وبرر أثناء حواره مع الصحيفة أسباب انضمامه لداعش، وكيف كانت حياته أثناء تواجده داخلها، وأسباب تركه لها بعد فترة قصيرة، بالإضافة إلى تحدثه عن العمليات العسكرية التي يقوم بها التنظيم، وكيفية تدريبه لمجاهدين في سوريا والعراق، والحفاظ على ولائهم له.
– قتل الشيعة واغتصاب الإيزيديات:
ذكرت الصحيفة أن حمزة انشق عن التنظيم بعد انضمامه إليها بستة أشهر، من مطالبته بإعدام أشخاص كان يعرفهم في الفلوجة، واغتصاب النساء الإيزيديات المأسورات.
رفض حمزة أن يرتكب جرائم قتل، ورفض لمس نساء وهن في حالة ضعف، وقال “لا أحب الشيعة ولكن عندما طلبوا مني قتلهم، أصبت بصدمة”، وعلى الرغم من عرض مقاطع فيديو على المقاتلين لشيعة يقتلون سنة، إلا أن ذلك لم يقنع حمزة بقتلهم.
وبجانب الشيعة، لم يقبل حمزة ذبح بعض السنة الذين يعملون مع الحكومة العراقية الشيعية، والتي تصفها داعش بالحكومة الوثنية.
على الرغم من رفضه ذبح الرهائن، إلا أنه لم يعاقب، وأخبره قائده إنه لن يقتل أحد الآن، ولكنه سيفعل في وقت لاحق، وحتى مجيئ ذلك الموعد، سينفذ المقاتلون الأجانب عمليات القتل والذبح.
– حياة المقاتلين والنساء في داعش:
بالنسبة لحياة المقاتل داخل معسكرات داعش، قال حمزة إنه حصل على 400.000 دينار، أي ما يعادل 231 دولار شهريا، بجانب بعض المميزات التي لا يحصل عليها سوى المقاتلين، مثل الطعام، والغاز، وإمكانية الدخول على مواقع الانترنت.
وأشار حمزة إلى وجود عدد من الفتيات التونسيات اللائي وصلن من تونس إلى سوريا، وكانت كل منهم تعيش مع أحد القيادات لأسبوع بعقد زواج، ثم ينفصلن عنهم، ليتزوجن من المقاتلين.
تحدث حمزة مع فتاة منهن، وسألها عن كيفية وصولهن لسوريا، فقالت “سافرنا إلى تركيا، ومن هناك إلى الحدود التركية السورية”، وتوقع أن يتعامل التنظيم مع الفتيات البريطانيات اللائي انتقلن بنفس الطريقة من موطنهم بنفس الطريقة.
– غسيل دماغ:
وصف حمزة قصة انضمامه للتنظيم “بالمعقدة”، وقال إن داعش عندما سيطرت على المنطقة تعاملت مع الجميع برقة ولم تجبر أحد على الانضمام إليها، فكان لديهم الكثير من الطرق التي تمكنوا من خلالها الحصول على حب الناس، ودعمهم، فعلى سبيل المثال كانوا ينتقلون من منزل إلى آخر يسألون الناس عما يحتاجون، ويعرضون عليهم خدمات، مثل التعليم، وطلبوا من العائلات عدم إرسال ابنائهم إلى المدارس الحكومية، لأنهم قادرين على إنارة عقولهم.
وأضاف “حرص التنظيم على تقديم المحاضرات والندوات بعد الصلوات، وكان أغلب المواضيع التي تُناقش فيها عن كيفية تطوير وتحسين المجتمع، واستخدموا القرآن والأحاديث النبوية، للتأكيد على كلامهم”.
“استطاعت داعش غسل عقول وأدمغة المواطنين”، وبعد ستة أشهر كان حمزة أحد المواظبين على حضور المحاضرات، وكان يحّضر آيات قرآنية وأحاديث نبوية لكي يستخدمها أثناء تواجده فيها.
– الجوائز المالية:
بحسب حمزة، فكان هناك مسابقة اسبوعية لمجموعات من الشباب، وقد فاز باثنين من بينهما، وحصل على جائزة مالية في كل مرة وصلت إلى 300.000 ألف دينار عراقي.
بعد الفوز بالجوائز المالية لمرتين متتالتين، يقول حمزة “بدأت أشعر بالإعجاب بنظامهم، وغادرت عائلتي كلها الفلوجة وذهبت للعراق، ولكني لم أذهب معهم”، مشيرا إلى مطالبة والده له بعدم الذهاب معهم، وعدم المكوث في موطنهم إلا أنه رفض، وألا يتأثر بتلك الجوائز المالية، لأنه سيتورط في النهاية في مشكلة كبيرة لن يخرج منها بسهولة.
-قرار الانضمام لداعش:
وعد حمزة والده أن يلحق بالعائلة إلى بغداد بعد أيام، ولكنه كان أخذ القرار، لينضم لداعش في يوليو عام 2014، وذلك بعد شعوره بأن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أفضل مكان لكي يعمل فيه، ويبذل فيه أقصى جهده.
وافق التنظيم على طلب انضمام حمزة إليه فورا، ورشحه الداعية الذي تتلمذ علي يديه، ليكون أحد أعضاء الكتيبة العسكرية في الفالوجة، هو ومجموعة من الشباب الأخرين.
وكشف حمزة عن طريق سرده لقصة انضمامه للكتيبة العسكرية في التنظيم، عن الكثير من الأسرار حول كيفية بناء داعش لنظام عسكري قوي، ففي البداية مارس التمرينات الرياضية ليكون في هيئة جسدية تساعده على سهولة الحركة، فقال “التمرينات الرياضية التي مارستها في شهري يوليو وأغسطس عام 2014، كانت تمرينات اللياقة البدنية ، و تمارين البطن.
-كتيبة عسكرية في الرقة:
وبعد فترة التمارين انتقل إلى كتيبة عسكرية خارج الفالوجة، ليعيش شهر ونصف في الرقة بسوريا، حيث تعلم هناك فنون القتال، في تدريبات ودورات عسكرية مكثفة.
وفقا لحمزة، فإنه تعلم في الفالوجة كيفية اطلاق النار باستخدام مدافع الكلاشينكوف، واطلاق القنابل اليدوية، ولكن في الرقة مستوى التدريب العسكري كان أكثر تطورا، فتعلم كيفية استخدم “الأربي جي”، والتعامل مع الانواع المختلفة من الأسلحة.
مع وجود كافة أنواع الأسلحة في الفلوجة إلا أن نقل حمزة مع عدد كبير من الشباب إلى الرقة، يرجع إلى رغبة التنظيم في نقل احساسهم بحب الوطن، والتأكيد على شعورهم بالانتماء للخلافة الانسانية، واختبار تجارب جديدة.
سيطر الشعور بالفرحة الشديدة على المقاتلين بعد نقلهم من الفلوجة في العراق إلى الرقة في سوريا، وبرر حمزة ذلك الشعور الذي غمرهم، بأنهم أحسوا أن التنظيم تمكن من القضاء على الحدود الحكومية التي ليس لها داعي، وأنها مجرد حواجز مزيفة، استطاع التنظيم القضاء عليها ليعيش الجميع في دولة واحدة كبيرة، ووصف الأمر “بالإنجاز الضخم”.
-الذبح دليل الولاء :
يلعب الذبح دورا كبيرا في حياة داعش، فلم تستخدمه فقط في استفزاز وإثارة خوف أعدائها، ولكنها استعملته كدليل على قوة وولاء المقاتلين الجدد، فقال حمزة إن المقاتلين الجدد مثله، كانوا يُرسلون لمشاهدة عمليات الذبح الجماعية، فحضر ثلاث عمليات في الرقة، وغيرهم في الفالوجة، كانت أحدهم لرجل يعمل مع الحكومة السورية، أطلق عليه النار.
وفي الفالوجة، أشار حمزة إلى أسر التنظيم إلى مجموعة من الجنود الشيعة في الجيش العراقي، وقيام التنظيم بذبحهم، وكانت تلك أول عملية ذبح يشاهدها، حيث كان في السابق يرى مثلها في مقاطع فيديو، لها مؤثرات صوتية وبصرية مؤثرة.
نفى حمزة قيامه بأي عملية لقتل الرهائن، وأرجع ذلك إلى أن المتدربين لا يشرعون في قتل الرهائن، لأن القيادات في التنظيم ترى ستة أشهر فترة غير كافية للمقاتل لكي يذبح أو يطلق الرصاص على الرهينة، أو الأسرى، بالإضافة إلى ضرورة اظهار المقاتل لبعض الميزات والمهارات الخاصة في التعاليم الدينية، والتكتيكات العسكرية، وغيرها من الاختبارات.
استعرض حمزة عملية من عمليات القتل، فقال “في إحدى المرات قامت المقاتلين بإلقاء القبض على عدد كبير من السنة العاملين مع الحكومة في مطلع نوفمبر”، مشيرا إلى أنه في الأسبوع الرابع من نفس الشهر، طلب منه قائده تحضير سلاحه لكي يشارك في عملية قتلهم، ولكنه أصيب بالرعب، حيث كان بينهم مجموعة من معارفه.
رفض حمزة القيام بالعملية، ولم يتحمل فكرة ذبح أحد المواطنين، وقال لقائده إنه لن يتمكن من ذبح هؤلاء السنة، مشيرا إلى أنهم إذا كانوا شيعة سيكون الأمر أسهل، فوافق القائد على انسحابه من العملية، وأوكلها إلى أحد الجاهدين “الأجانب”، ووعده بأن يشارك في العملية المقبلة.
– خطة الهروب:
عٌرض على حمزة ومجموعة من المقاتلين حوالي 13 فتاة إيزيدية حسناء لكي يستخدموهم كعبيدات للجنس، فتسببت الواقعتين في القضاء على حماسه، وساورته الشكوك بشأن التنظيم، وبعد فترة ليست طويلة قرر الرحيل وترك داعش، ولكنه كان واثقا من صعوبة وخطورة هذا القرار.
زادت مخاوف حمزة من الهروب، بعد محاولة أحد المقاتلين مغادرة المنطقة، والانشقاق عن التنظيم، فقاموا بذبحه بتهمة الخيانة، بالإضافة إلى عدم وجود أي شخص يثق به، حتى اصدقائه المقربين، لذلك قرر أن يخطط للأمر مع أحد اصدقائه خارج الخلافة، واستخدم في ذلك تطبيق “الفايبر”، واستغل شبكات الانترنت التي يتيحها التنظيم لمقاتليه ثلاث ساعات كل ثلاثة أسابيع.
طلب حمزة من قائده هاتف محمول، وعلل ذلك برغبته في التحدث مع عائلته، فوافق، وتمنى أن يكون الهاتف وسيلة لتقوية العلاقة بين حمزة والتنظيم، وتحفيزه على المشاركة في عمليات القتل.
وساعده ذلك على التخطيط للهروب، وعاونه اصدقائه والمهربين بعد حصولهم على المال، وفي بداية شهر يناير الماضي، بأحدى الليالي كان يعمل كحارس لمدخل أحد الضواحي في الفلوجة، ترك المنطقة بعد هدوء الوضع، وفرّ سريعا.
استغرق الأمر خمسة أيام لكي يصل إلى منطقة أمنة، ويخشى الآن تعقب داعش له، ومعرفة هويته الحقيقية، متوقعا أن ردة فعلهم ستكون عنيفة وقاسية جدا.
– هزيمة داعش ليست سهلة:
“لم يكن المقاتلين يعرفون كل شيء، فكان هناك حدود لما يعرفوه” قال حمزة، مشيرا إلى أن المقاتلين مُنعوا من دخول ما يسمى بـ”غرفة العمليات”، المليئة بأجهزة الكمبيوتر، ويعمل بها عدد من الأجانب والخبراء.
ولفت لعدم السماح للمقاتلين الجدد مثله بمقابلة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، أو معرفة مكانه، لأنهم كانوا ينقلوه من مكان إلى أخر في كل فترة.
رأى حمزة ان إمكانية التحالف الدولي على هزيمة داعش، لن يكون سهلا، ولا يجب أن يقتصر فقط على الغارات الجوية، والتي لم تحقق أي تقدم حتى الآن.
– داعش ليس لها علاقة بالإسلام:
وأكد أن كل ما كان يعرفه ويتخيله عن داعش، كان مجرد وهم، ففي البداية اعتقد أنهم يحاربون من أجل الله، ولكنه اكتشف بعد ذلك أن مبادئهم أبعد ما يكون عن ما يوجد في الإسلام، فهناك مجموعة من مقتاليها يتعاطون المخدرات، وعقاقير هلوسة، وهناك من مصاب بهوس جنسي، ولا يمانعوا من زواج النساء من رجال مختلفين في فترات متلاحقة.