يعاني المدنيون العزل من حصار خانق في ظل احتدام المعارك في سوريا بين فصائل المعارضة والنظام السوري من جهة والفصائل المتشدّدة من جهة أُخرى ، فلا سبيل لهم الا الهروب من الموت لكن الى أين و ماذا لو كان هذا الهروب من الموت الى الموت ! الصيدلي بسام السعيد شارك في الثورة منذ بدايتها وكان من اوائل المعتقلين في مدينة الرقة ، وفي مارس / آذار من العام الفائت أنشئ مكتب أمن الثورة بعد التحاقه بالعمل المسلح ، و سرعان ما تم اغلاقه بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة و ذلك تفاديا لاي صدام مع للتنظيم ، بعد تشكيل مجلس محلي لمدينة الرقة وريف مركزها ، كان للسعيد مكان فيه ، حيث شغّل الدكتور بسام منصب رئيس مكتب الدفاع المدني بالمجلس ، و قد عمل بجد لانشاء مكتب دفاع مدني قادر على تفادي الكوارث وتدريب كوادر قادرة على العمل بكفاءة ،و بعد فوزه بجميع الأصوات في انتخابات الثانية للمجلس المحلي ، تم تعيينه كرئيس للمجلس ، سرّعان ما بدأ أسم المجلس يطغى على عمل تنظيم داعش ادارياً ، فطُلب رئيس المجلس المحلي للتحقيق في المكتب الأمني التابع للتنظيم ، فما كان منه الا الهرب من الموت المحتم في سجون الظلام ليبدأ رحلة البحث عن مكان أمن يستطيع ان يكمل يبقي على حياته فيه حرا طليقا ، و في ساعات متأخرة هرب السعيد من مدينة الرقة لتكون وجهته القادمة تركيا ، وهناك و في مدينة أزمير الحدودية تحديداً أُحتجز مع مجموعة من السوريين في الجندرمة التركية المسؤولة عن أمن الحدود ، ليبقى محتجز لثلاث أيام بدون طعام سوى فتُتات بسيط يكاد لا يشبع طفل في الخامسة من عمره ، بعد أربع محاولات فاشلة في دخوله الى تركيا ، قرر السعيد السفر الى الجزائر جواً مع أصدقائه ، تأخر السعيد عن حجز الطيران فاضطر للحجز مرة أُخرى ، وصل السعيد بعد رحلة دامت ثلاث ساعات جواً الى مطار ” هواري بو مدين ” بالعاصمة الجزائرية ، ليتجه مع رفاقه الى ولاية البليدة و بالتحديد منطقة الشريعة عبر الحافلة ثم اتستقل المجموعة سيارة أُجرة للذهاب الى الحدود الجزائرية التونسية ، مع بزوغ شمس اليوم التالي كانت المجموعة قد عبرت الحدود في تخطي ثاني عثرة ، مع حلول الليل تأتي سيارة لتنقل المجموعة الى الوجهة التالية التي كانت الحدود التونسية الليبية ، قبل وصول المجموعة الى السيارة بمسافة 50 متر هجم مجموعة من الأشخاص لايحملون السلاح ولا يرتدون لباس مميز تبيّن في مابعد انهم من الشرطة التونسية سائق السيارة كان على دراية كافيةبالموضوع ، فبدأ بالسير الى الخلف هرباً من الشرطة التونسية فاستطاع الجميع الهرب من سرعة السيارة الجنونية ولم يبقى سوى السعيد مندهشاً ممايحصل أمامه لتهدسه السيارة وترديه جثة هامدة ، لم تستطع الشرطة التونسية القاء القبض على سائق السيارة لينقل جثمان السعيد الى أحد المشافي القريبة ، ينتهي حلم السعيد و يتخطفه الموت على الاراضي التونسية . أوصى السعيد قبل موته بكلمات كان يكررها مراراً ” ادفنوني بالرقة ” وقد حاول بعض الناشطين على اطلاق صرخات نداء لكل من يستطيع إيصال جثة الدكتور السعيد الى مدينة الرقة لتنفيذ وصيته لدفنه في الارض التي ولد وعاش وترعرع بها ، و لكن بعد مرور يومين من بقاء الجثة في مصلحة حفظ الجثث بالمشفى ، فقد أهل السعيد الأمل في أيصال جثمانه الى الرقة ، فتم توكيل شاب من تونس يدعى ” معز السبوعي ” باستلام الجثة ودفنها ، حيث دفن جثمانه في مدينة بنقردان كما هو معروف في تونس فالغريب يدفن في مكان موته ، ليتابع باقي أعضاء المجموعة الهرب من الموت الى المجهول ، ويبقى ” الدفن بالوطن رفاهية ” .
غير مصنف