دجى داود
عاد الناشط السوري، عبد حكواتي، إلى حلب، بعدما شارك في الثورة منذ بدايتها، وخرج منها بعد اعتقالين قضاهما في سجون النظام السوري، وبعد ملاحقات من قبل تنظيم “الدولة الإسلاميّة”. عاد حكواتي إلى حلب، لأنّ “الثورة تُكمل بشبابها… فلو خرجنا جميعاً من سورية مَن سيُكمل الثورة؟”، كما يقول لـ “العربي الجديد”.
الثورة السورية أنتجت مفهوم الناشطين الإعلاميين على عكس الثورات الأخرى التي نشط فيها المدونون
عاد حكواتي إلى حلب، في وقت خرج أبو محمد من الرقة إثر تشديد تنظيم “داعش” الرقابة والملاحقة بحقّ الناشطين المدنيين، وازدياد بطش التنظيم الإرهابي. لجأ أبو محمد إلى إحدى الدول المجاورة، لكنّه لا يزال يعمل من أجل سورية، مع زملائه ضمن مجموعة “الرقة تُذبح بصمت”.
حكواتي وأبو محمد، هما ناشطان إعلاميّان من ناشطين كُثُر عرفتهم الثورة السوريّة. فالثورة، التي كسرت مفاهيم كثيرة منذ انطلاقتها، كان عمودها الفقري أشخاصاً كرّسوا حياتهم، وخاطروا بأرواحهم لأجلها.
وبينما كان المدونون العمود الفقري للثورات العربية في ظل التعتيم الإعلامي، برز في سورية الناشطون الإعلاميون. هؤلاء ساهموا في رفع أسهم “المواطن الصحافي”، فهم أولاد واقع قمع النظام السوري للمواطنين، وتكميم الأفواه وانعدام معايير الديمقراطيّة. لذا، كانوا الصوت الأعلى في الثورة منذ بداياتها. خصوصاً بعد فرض النظام السوري قيوداً كثيرة على عمل الصحافيين المحليين والأجانب منذ انطلاق الثورة .
ومع اختفاء الخبر السوري من الإعلام تدريجياً، اختفى الناشطون الإعلاميون عن الشاشات. وحدها بقيت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً لهم للحديث عن الداخل السوري، لكنّ ذلك انخفض تدريجياً أيضاً، إثر التضييق وقطع الإنترنت ولجوء عدد كبير منهم إلى دول الخارج.
يعتبر حكواتي أنّ وسائل الإعلام هي نفسها من يتحمل مسؤوليّة اختفاء الخبر السوري من الإعلام. ويرى أنّ “المشكلة تكمن في اهتمام الإعلام بالتطرف، “داعش” و”النصرة” بشكل خاص، وخصوصاً الإعلام الغربي”. ويقول: “في البداية، عندما كان هناك مراسلون لمؤسسات غربية في سورية، كانوا يهتمون بأخبار “القاعدة” بشكل ملحوظ”. ويضيف: “ساهم ذلك في تحويل الثورة إلى سلعة لتكون منتجاً يبيعونه لقرّائهم”.
كما يوضح حكواتي أنّ “وكالات الأخبار العالميّة كانت سبباً في تحوّل الاهتمام من أرواح المدنيين والجرائم في سورية إلى الاهتمام بأخبار “داعش””. ويتحدّث عن استنزاف الناشطين الإعلاميين في سورية، على أصعدة الطاقات والأموال بالإضافة إلى الضغط النفسي عليهم من قبل النظام السوري و”داعش” على حدّ سواء. ويشرح أيضاً أنّ مرحلة “غارات التحالف الدولي ضد “داعش” أثّرت سلباً على أخبار سورية والثورة في الإعلام لاهتمام العالم بالتحالف، وأتت بعدها مرحلة الاهتمام بأخبار عين العرب/كوباني وقتال الأكراد ضد “داعش”. ويضيف: “الإعلام لا يُسلّط الضوء على الاحتلال الإيراني في سورية ولا يتحدث عن جرائمه”.
هذا الأمر يوافق عليه أبو محمد الرقّاوي، ويروي كيف كانت نكسةً بالنسبة للناشطين في الرقة إعدام زميلهم معتز بالله إبراهيم، من قبل “داعش”. لكنّ أبو محمد يؤكّد أنّ “الناشطين في الرقة استمدوا القوة مرة أخرى، وبدأوا بتوثيق الانتهاكات والإعدامات والاختطاف والتهجير في الرقة، ووصلوا إلى التصوير الفوتوغرافي والفيديوهات”. و”الرقة تُذبح بصمت” حملة يعمل فيها 18 ناشطاً سورياً، بعدما أسسها خمسة أشخاص،
تنشر “الرقة تُذبح بصمت” معلومات من قلب المنطقة التي يُسيطر عليها “داعش”
” وتوثق انتهاكات تنظيم “داعش” في المنطقة التي يُسيطر عليها، كما تنشر صوراً وفيديوهات حصريّة لممارسات التنظيم، وتقوم بحملات رسم غرافيتي على جدران الرقة لإعادة روح الثورة إلى المنطقة. وبرزت الحملة بشكل أكبر في فبراير/شباط الماضي، بعد إعلان التنظيم إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة. إذ إن أول من غرّد عن الموضوع كان الناشط في الحملة “أبو إبراهيم الرقاوي”، في يناير/كانون الثاني الماضي على حسابه على “تويتر”.
ويوضح أبو محمد لـ “العربي الجديد” أنّ “الدليل على نجاح حملة “الرقة تذبح بصمت” هو حملة “الرقة تزدهر بصمت” التي أطلقها مناصرو “داعش””. ويضيف: “عند ذلك أحسسنا فعلاً بالتأثير وقررنا توسيع العمل كما كنا نفعل أيام النظام السوري”.
ويؤكد أن النجاح هذا أدى إلى ثقة الناس في الرقة بالحملة، ليعملوا على مساعدة الناشطين فيها. ويقول: “هناك أشخاص ينقلون لنا المعلومات من داخل التنظيم، ونحن لا ننشر معلومات لم نرها أو تحققنا منها، ما رفع الحملة إلى مستوى أكثر حرفيّة”.
يعتبر البعض أنّ الثورة السوريّة المدنيّة ماتت، والعسكرة والتطرف هما فقط ما تبقى في سورية. لكنّ الناشطين السوريين يرفضون ذلك. وفي الحقيقة، حملت الأشهر الأخيرة، نشاطاً إلكترونيّاً سورياً أكبر، تمثّل بحملات عدّة، منها “#دوما_تحترق” التي جذبت اهتمام العالم، وصولاً إلى حملاتٍ كثيرة تزامناً مع الثورة كـ”#ارفع_علم_ثورتك“، و “#4_سنين_ومستمرين“، و#HowManyMore العالميّة، بالإضافة إلى #CeasarReport، وصور التعذيب في سجون النظام السوري التي عُرضت في نيويورك. و#ChildrenofSyria التي أطلقتها “يونيسيف”.
والمشترك في هذه الحملات، أنّها ليست افتراضيّة فحسب. حملة “ارفع علم ثورتك” مثلاً، تضمّنت صوراً من الداخل السوري، لأشخاص يحملون علم الثورة حتى في مناطق يُسيطر عليها النظام أو “داعش”. بينما حملة “دوما تحترق”، تم توثيق صور وفيديوهات عبر حملة إعلاميّة صدّرت جرائم الرئيس بشار الأسد إلى العالم مرة أخرى. الأمر نفسه بالنسبة لحملة “كم سيموت أكثر؟”، و”تقرير سيزر”.
وهنا، يوضح حكواتي أنّ “الحراك المدني الثوري في سورية عاد في الأشهر الأخيرة بشكل أفضل، والناشطون عادوا إلى دورهم في تكتيك واحد مع الجيش السوري الحر”. ويضيف: “شباب سورية قادرون على تقرير مصيرها”. من جهته، يعتبر أبو محمد أنّ “الحراك المدني في سورية لم ينتهِ، بل تعرّض لضغوطات من قبل كتائب ضد الثورة وتعمل على إنهائها”.
الناشطون الإعلاميون: مستمرون حتى نجاح الثورة
يتحدث أبو محمد عن نشاطات جديدة في الرقة تُحاول الحملة القيام بها بالتزامن مع ذكرى ” الثورة. ويقول: “نحن نحارب “داعش” ليس بالسلاح بل بالأفكار”. ويضيف: “نحن مستمرون بالعمل لأجل سورية حتى سقوط “داعش” والنظام السوري وتحقيق مطالب الثورة”.
من جهته، يتحدث حكواتي عن “حملة جديدة للناشطين في حلب، يُعدّها 36 شاباً يعملون على تصوير فيديوهات وتوثيق جرائم الأسد في محاولةٍ للضغط على المجتمع الدولي، وإعادة القضيّة والتركيز الأساسي للثورة السورية، وذلك لمحاكمة الأسد والنظام السوري على جرائمه بحق السوريين”. ويضيف: “السوريون بدأوا ثورة وسيسقطون بشار الأسد ويبنون دولتهم الجديدة”. ويُتابع: “نحن مؤمنون بإنشاء دولة سورية وإسقاط النظام، وسنستمرّ بذلك، فسقوط النظام هو ما سيؤدي إلى سقوط “داعش”.
المصدر : العربي الجديد
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.